Wednesday, January 4, 2012

حلّ !

أتحدث عن كليهما، عن المعنى الفصيح الذي من أجله أقمنا الثورة، و عن المعنى العامّي الذي يجب أن تنتهيَ إليه كل ثورة ناجحة اعتمدت أساسا على المعلومة الحرة!
الجميع يكتب اليوم عن المعلومة الحرة، عن الحكومة المفتوحة، ستجدون مقالات متنوعة بعضها يخوض في التقنيات المتاحة، بعضها يقدم صورة شاعرية تلهب القلوب، بعضها يستعمل الفرنسية، و البعض الآخر يحاول أن يقرّب المفهوم للعامة بلهجة دارجة سلسة (و إن كتبها بطريقة الاس ام اس التي لا استظرفها).
عليّ أن أكتب أنا أيضا، و أن أضيف شيئا للمادة الموجودة. سأكتب ربما للجيل القديم، الجيل الذي لا تمثل لغته الأم عائقا أمامه، لكنه لا يستوعب أفكار الجيل الجديد و لعله يعتبر الحديث عن المعلومة الحرة و الحكومة المفتوحة ترفا لا يمكن الخوض فيه اليوم. لذلك سأحاول أن أفسر بطريقة براغماتية ما جدوى المعلومة الحرة.

لنتفق أولا ماذا نريد من الثورة :
ـ نريد شغلا.
ـ نريد كرامة.
ـ نريد حريّة.

كيف نحقق هذه الأشياء؟ 
ـ نقيم نظاما جديدا غير فاسد : الحرية.
ـ يقطع النظام الجديد مع الاساليب القديمة حتى يحقق فعلا مطالب الناس : الشغل.
ـ يمكن محاسبة النظام الجديد و تغييره دون الحاجة إلى ثورة جديدة لو فشل في أمره : الكرامة.

لنكن عمليين و لنقدم أهدافا ملموسة: 
ـ النظام ديمقراطي يستمع إلى كل الآراء، المعارضة تقدم حلولا عملية، و الأغلبية تبحث عن مصلحة البلاد لا عن مصلحتها.
ـ القضاء عادل يضمن كرامة الناس، و حقوقهم.
ـ في كل موقع قرار يوجد الشخص الأنسب و يتخذ القرارات الأفضل.
ـ الرقابة موجودة.
و بالفعل هذا ما حاولت الثورة في تونس أن تحققه، رغم بعض الهنات هنا و هناك، لا كمال في الدنيا. و اليوم، هناك مجلس تأسيسي، و حكومة، و مجتمع مدني، و إدارة، و القضاء الجديد أيضا لن يلبث أن يتكون، لكن المشاكل لا تنتهي، سببها الأول انعدام الثقة. انعدام الثقة بين المواطن و المسؤول، انعدام الثقة بين المواطن و الأمن، انعدام الثقة بين المواطن و الحكومة، انعدام الثقة بين المسؤول و المسؤول أيضا، بل و انعدام الثقة بين المواطـن و مرشحه الذي انتخبه للمجلس التأسيسي!

لماذا انعدمت الثقة؟
لأن هناك بالفعل مسؤولين يعملون في الخفاء، و لأن هناك بالفعل قرارات خاطئة لا يمكن أن نعلم ما في ضمائر أصحابها، و الأهم، لأن الشائعات أغرقت البلاد منذ الثورة.. اخبار زائفة، صور زائفة، اقتطاع للتسجيلات بطريقة تخدم أطرافا ما.. الاشاعات التي اغرقت البلاد تسببت في كوارث، و لو تذكرون ما حصل في احدى الجهات حينما بلغهم أن هناك من سيرسمون خفية عن الآخرين.. أو حينما أخبروهم أن أحد رجال الحرس قد ضرب احدى المواطنات.. انعدام الثقة، يدفع المواطن الى البحث عن المعلومة في أماكن موبوءة تماما، كما الحال في الفايسبوك، موقع التواصل التونسي الأول.

المعلومة اذا هي المفتاح!
ـ يعتصم الناس في جهة قفصة بسبب نتائج المناظرة المهزلة للدخول للكبّانية. من المتسبب في نتائج المناظرة؟ لا أحد يعلم. كيف ستسوى الأمور؟ لا أحد يعلم. ما هو رأي نواب المواطنين المعتصمين في المجلس التأسيسي؟ اللهم أعلم و هم لا يعلمون.
ـ لقد انتخبت شخصا أو أشخاصا يمثلونني في المجلس التأسيسي بمواقفهم و آرائهم، لا أعرف إلى اليوم ماذا تحدثوا باسمي، و ماذا قالوا بلساني. هل يمكنني أن أجدد ثقتي لهؤلاء؟ لا أعرف!!! لأن المعلومة تنقصني!
ـ يعتصم الناس في قابس مطالبين بحقهم في العمل في المصنع. بعضهم يقول إن طاقة الشركة لم تعد تتحمل المزيد، بعضهم يقول إنها بالفعل بحاجة الى المزيد لكن السرقة قلصت من حجم سعتها. كيف السبيل إلى معرفة الحقيقة؟ بالمعلومة. أين المعلومة؟ في ركن ما، في مكان ما لا يمكن بلوغها.
ـ السلط المحلية أو الجهوية تريد بالفعل أن تساعد قدر الإمكان، لكنها لا تستطيع أن تعرف كل ما يدور في كل شبر من الارض.. على المواطن أن يبلغ، و أن يقدم المعلومة أيضا، لكن كيف يفعل؟ إلى من يذهب؟ كيف يتصرف؟
ـ المعلومة ليست وثائق القرارات فحسب، هي أيضا تسجيلات ما قيل، و صور ما حدث بالفيديو حينما يكون الفيديو ضروريا. المعلومة هي أرقام احصائية، سجلات بنكية، خرائط، المعلومة هي أيضا انعدام المعلومة، فنحن لا نعرف مالذي لا نعرفه تحديدا!

ـ ما قيمة كل هذا و نحن نتحدث عن الخبز؟ الخبز يا صديقي له مقدار من الدعم، يجب أن نتأكد أن لا احد يسرق منه. يجب أن نتأكد أن قيمة دعمه ليست قيمة عشوائية و انما للمقرّر مبرراته بشأنها. الخبز يا صديقي نستورد قمحه من دول أخرى، لا نعلم تكوينه و لا في أية مختبرات تم تغيير تركيبته، الخبز يا صديقي له وحدات توزيع لا نعلم أصحابها و لا مدى تأثيرهم في انقطاعه احيانا، و لا طريقة توزيعه على المخابز... الخبز الذي نأكله يا صديقي لا نعرف عنه شيئا، و مادمنا لا نعرف شيئا، فلا يمكننا أن نفهم إن كان حقا يساوي الثمن الذي ندفعه من أجله أم لا. و لا يمكننا أن نفهم إن كنا نزيد من ثمنه باحتجاجنا أم نخفّض.. نحن بحاجة الى تحرير المعلومة، إلى أن يكون كل شيء متاحا للمواطن، و الصحافة. لذلك كله نقول للحكومة : حلّ!

حلّ! و لكن كيف؟
ـ الـOpenGov أو الحكومة المفتوحة، هو المصطلح الذي أطلق على الحكومة التي تعتمد على المعلومة الحرة للتواصل مع المواطن. الشفافية المطلقة، هذه المرة ليست شعارا بل واقعا حتميا. تعتمد الحكومة المفتوحة على تقنيات الاتصال الحديثة (الانترنت، الهواتف الذكية، الخ) للتواصل المباشر مع المواطن، على المستوى المحلي و الجهوي و الوطني، تلتزم الحكومة المفتوحة بتقديم كل المعلومات الممكنة للمواطن، حتى يمكنه أن يحكم على مردود ممثليه في مختلف أجهزة الحكم، و حتى يخضع الجميع لسلطة الرأي العام، و حتى لا يمكن لأحد أن يعمل في الظلام.

ـ تقدم المعلومة في الحين، فتنتفي الاشاعات تماما و لا يعود لها وجود. و تنتفي العشوائية و التمييز و الوساطة و الارتجال.. لقد ظلم نظام بن علي الناس كثيرا رغم أن كل شيء موثق، لكنه كان يعمل في الظلال، و كانت المعلومة في صندوق مغلق لا يراه أحد.
ـ يجب أن يتم بث كل مداولات المجلس التأسيسي أولا بأول، و لا تستثنى منها مداولات اللجان الجانبية. لا نريد لعبا تحت الطاولة، نريد لعبا مفتوحا تماما!
ـ يجب أن يعتمد التصويت الالكتروني في المجلس التأسيسي، ليسجل تصويت كل النواب، و يمكن الاطلاع عليه فيما بعد و معرفة مدى وفاء النواب لوعودهم الانتخابية.
ـ يجب أن يبدأ العمل على بوابة حكومة ضخمة تسمح بادراج كل المواقع الحكومة، بحيث تسهل وضع كل المعلومات الممكنة، و تمكن من التفاعل المباشر بين السلطة و المواطن.

عزيزي المواطن، المعلومة الحرة ليست ترفا، بل هي كما ترى، أساس "الخدمة على نظافة"، و هي ليست أقل قيمة من الشغل و الكرامة و الحرية.. بل هي من سيقدم إلى الجميع الشغل و الكرامة و الحرية، و لا مزية عربي.

عزيزي المواطن، ساند حملة "حلّ" و قلها دون مواربة "يا حكومة ! تي حلّ اللعب!"


Translate