Saturday, March 24, 2012

في الخلافة...

يقول التقويم الميلادي، أن اليوم يوافق الذكرى الثالثة بعد المائتين و ألف (1203 لمن ترعبهم طريقة القول السالفة) لوفاة هارون الرشيد خامس الخلفاء العباسيين، و خليفة العصر الذهبي للدولة الإسلامية. و هو أمر لا يمكن أن يمر دون تفكّر فيه و نحن نشهد ما نشهد من أفكار بعضها ألفناه و بعضه قد لا يمكن أن نستسيغ مسمعه قط.

و الحق أن مجالستي لبعض النقليين (السلفية لو شئتم التسمية) يوم الاستقلال، و استماعي إليهم، ما دفعني إلى التفكر في أمر هارون الرشيد. كانت بداية جدالي مع أحدهم، أنه راح يتحدث عن هارون الرشيد خليفة المسلمين، البطل العظيم الذي يغزو سنة و يحج سنة، التقوى و الفروسية، كل ما يتمنى أن يكونه شاب مثل محاوري. و طبعا لم يفته أن يحدثني عن احدى الحكايا التي أخذ بعضها عن الطبري فجمّلت و حيكت كما فعل الناس من قبله في ألف ليلة و ليلة.. فأخبرني بأمر الرسالة الشهيرة التي أرسلها هارون إلى نقفور (Nicepor) ملك الروم (بيزنطة) يجيب فيها تهديداته بقوله :"من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام". و ختمها طبعا بقوله إن هارون الرشيد غزا روما حينئذ!

و بعيدا عن الفوضى التاريخية التي كانت تعتمل في ذهنه، فقد كان على يقين أن هارون الرشيد ما بلغ من المجد إلا لقوته السياسية و العسكرية، و أن الدولة الاسلامية حينئذ بلغت مداها و أوج وحدتها. و أن ذلك سبب العصر الذهبي. و هذا التفكير بنظري يلخص تقريبا الحلم السلفيّ الذي لن يتحقق بنظرهم إلى بإعادة تحقيق المسببات (خليفة، دولة اسلامية، غزو، شريعة الخ) في محاولة لتطبيق القاعدة الفيزيائية الشهيرة.

لا أحب أن أناقش هذا الفكر المرتكز أساسا على الأراجيف التاريخية التي تكتب على المنتديات الشعبية، و صفحات الشبكات الاجتماعية المضحكة، و لكن أعتقد أن من المهم العودة إلى هذا الخليفة الذي قد يعتبر الاشهر بين كل الخلفاء، و قد تجد من لا يعرف أن عليّا كرم الله وجهه كان خليفة للمسلمين، لكن الخلافة اقترنت بهارون كما لم يفعل رجل مثله. فما الذي فعله و لم يفعله غيره؟
فقط للتذكير فالدولة البيزنطية تعتبر الجزء الشرقي من الامبراطورية الرومانية القديمة، و توجد أساسا في تركيا و ما جاورها، بينما وجدت في أوروبا الغربية ممالك أخرى أهمها مملكة الفرنجة و صاحبها شارلمان. و الدولة البيزنطية كان يائسة تحاول الصمود في وجه المد الاسلامي،و الحق أنها منعت القسطنطينية عن المسلمين مئات السنين، قبل أن يدخلها محمد الفاتح العثماني. أما روما فكانت تتبع البابا و الامبراطورية الرومانية الغربية، التي أصبحت فيما بعد الامبراطورية الرومانية المقدسة، و يروى أن علاقة شارلمان بهارون الرشيد كانت ودية جدا !

اذا غزوات هارون الرشيد كانت تقتصر على الدولة البيزنطية المحاذية له، و هي غزوات مظفرة لكنها لم تبلغ أبدا منال المسلمين الأول : القسطنطينية. و لا يمكن بأية حال من الأحوال ان نصنف هارون مع الخلفاء الذين نشروا الإسلام كعثمان بن عفان و عمر بن الخطاب، و محمد الفاتح، و غيرهم من الفاتحين الكبار.كما أن الجبهة الداخلية لم تكن بذلك الاستقرار الذي نخاله، فهارون الرشيد لم يكن يوما سيد الأندلس، التي ظلت أموية في زمن الحكم العباسي بفضل عبد الرحمان الداخل. و في المغرب أقام الأدارسة مملكتهم المستقلة، و عمت الاضطرابات في افريقية و مصر بسبب هرثمة بن الاعين، فخير هارون الرشيد مساعدة إبراهيم بن الأغلب على اقامة دولة الأغالبة (المستقلة بالقرار) بالقيروان فيستتب الأمر و ترسل له الجزية. و في اليمن كان عليه أن يواجه ثورات لا تنتهي، بينما لم تتخلص دمشق من ولائها التام للأمويين، دون أن ننسى آلاف الأخبار التي تحدثنا عن مطارداته المستمرة للشيعة، و دعاتها..
ما الذي جعل من عصر هارون عصرا ذهبيا اذا؟ ألأن الناس عرفت معه رغد العيش؟ لا نخال ذلك صحيحا فالاخبار تحدثنا عن مجتمع طبقي جدا فيه العبيد و الحرفيون الصغار و التجار و العلماء و العسكر و الساسة الخ.. و أبو العتاهية يحدثنا في قصيد شهير قاله للخليفة المهدي شقيق هارون الرشيد عن احوال الرعيةفي ذلك العهد فلم يذكر فيها ما يسر و ما يمدح. فلم يضرب المثل بعصر الرشيد و لا يعرف أحد شيئا عن عصر عمر بن عبد العزيز الذي لم يترك جائعا الا وفاه حاجته؟

لكن مهلا، من هو ابو العتاهية؟ و ما دخله بخلافة الرشيد؟ انه احد كبار شعراء عصره و احد اغزر الشعراء العرب، و ان كان فارسي الاصل. اما علاقته بالرشيد، فهي علاقة الفرزدق بعبد الملك بن مروان مثلا. ابو العتاهية علامة مضيئة في الادب العربي اشعت زمن الرشيد. و لئن كان ابو العتاهية شاعرا "جادا" فإن زمن الرشيد عرف ايضا سيد الخمريات و احد عباقرة الشعر اطلاقا و نعني هنا أبا نواس. و تواجد كلي الرجلين جعل من الصعب تصنيف هارون الرشيد في خانة الخلفاء الجادين الزاهدين او العابثين المبذرين.
لقد شهد زمن هارون اكثر من هذين الشاعرين. فبيت الحكمة البغذادي الشهير تاسس على يديه. و ايضا سطوع نجم ابراهيم الموصلي العازف العظيم.

كما ان هارون من اكثر الخلفاء الذين تحدثت عنهم كتب الاخبار. احاديث متناقضة حتما تذهب من قمة المجون الى الورع الشديد. و تبقى اهمها حكايات الف ليلة و ليلة التي استهلكت الخليفة دون غيره حى الثمالة.
ان هذه الاعمال الفنية هي بالفعل من صنع هارون الرشيد. و ان ما فعله الرجل هو حركة الترجمة الضخمة التي واصلها ابنه المامون في بيت الحكمة. فانتقلت معارف الفرس و الروم و الاغريق و الهنود الى بوتقة واحدة اسمها الحضارة العربية الاسلامية. لقد قام هارون الرشيد بما هو اعظم من الفتح و السبي فصارت بغداد عاصمة العالم و قبلة طالب العلم و الحكمة. و حلم الفنان و الشاعر.

اليوم من يريد لمجد هارون الرشيد أن يعود، يجب ان يعلم جيدا ان هذا المجد لا يستقيم بحد السيف. بل بحرية الفن في التخبط بين ابي نواس و ابي العتاهية.
صورة لهارون الرشيد مع شارلمان ملك الفرنجة

Friday, March 16, 2012

شريعة الله، و شريعة النهضة.

الشريعة؟
هي أن تدعو إلى حكومة وحدة وطنية، ثم تقترح مسودة قانون تستأثر بها على السلطة التنفيذية و التشريعية و القضائية أيضا.

الشريعة؟
هي أن تنادي بتطهير البلاد من الفساد، ثم لا ترى مانعا في الابقاء على أحد رموز الفساد على رأس الدولة.


الشريعة؟
هي أن تقول إن شباب بلدك "يمكن يبيعوا البلد" ـ في لحظة يأس ربما ـ ثم تقول على الملإ إنك لم تقل ذلك قط.


الشريعة؟
هي أن تطالب بتجريم التطبيع قبل الانتخابات، ثم لا ترى داعيا لذلك بعدها.


الشريعة؟
هي أن تدفع الناس لمعاداة مطبّع تونسي لأنه من حزب منافس (و يستحق ذلك)، و تطلب المساعدة من مطبّع عربي خليجي انقلب على أبيه.


الشريعة؟
هي أن يعيّنَ الوزيرُ وزيرا بقدر السنين التي قضاها في السجون لا السنين التي قضاها في البحث العلمي.


الشريعة؟
هي أن لا يعيّن وزير لم ترضَ عنه دول قد تمنحك العطايا و قد لا تمنحك.

الشريعة؟
هي أن تتظاهر كل يوم جمعة من أجل وجبات ايديولوجية جاهزة، فتعطل السير و العمل، ثم تدعو على من قطع الطريق لأنه جاع و لم يعلموه كيف يحتج، بأن تقطع أطرافه من خلاف.

الشريعة؟
هي أن تعد الناس بالقصاص العادل قبل الانتخابات، و بعد الانتخابات، تتنكر لوعدك من أجل حفنة من الاموال لم يتصدقوا بها بعد و لن يفعلوا.

الشريعة؟
هي أن تعلن أن تحرير القدس قادم قبل الانتخابات، و بعد الانتخابات تسكت على مجزرة الصهاينة في غزة.

الشريعة؟
هي أن تستقبل إسماعيل هنيّة بالأحضان، و بمثلها تستقبل زميم الصهيونية و حاميها.


الشريعة؟
هي أن تدعيَ الكرامة، و تحتضن زميم الصهيونية و حاميها.


الشريعة؟
هي أن تعلم تماما أن انصارك سوف يظلون أنصارك، سوف يجددون لك ألف مبرر و مبرر،و انت تحتضن زميم الصهيونية و حاميها.

الشريعة؟
هي أن تطلب قرض ربى من أكبر مطبع مع بني صهيون تفوق فائدته قروض دول أخرى.

الشريعة؟
هي أن تطالب الإعلام العمومي المعارض بأن يكون محايدا، بينما لا يزعجك أن تدعوَ مؤسسةٌ إعلامية عمومية أخرى بالتظاهر لنصرة خيار سياسي يختلف فيه التونسيون.

الشريعة ؟
هي أن لا تجد خطرا في أن يحوز غير الجيش سلاحا ناريا يهربونه فيما بينهم لنشر "دعوة" ما.


الشريعة؟
هي أن تسجن بسرعة الضوء صحفيا بسبب حماقة رأي اقترفها، بينما يمر أسبوع دون أن تعثر على أحمق أهان رمزا سياديا على الملإ و أمام الجميع.


الشريعة؟
هي أن تطلب المعونة من دول كالسعودية و أمريكا و تأمل لنفسك شيئا من السيادة و استقلالية القرار.


الشريعة؟
هي أن تسأل بلدا غارقا في الديون حتى التقشف، أن يقدم لك معونة ما.


الشريعة؟
هي أن تبحث عن الاستثمار أينما كان، لا يهمك مصدرها و لا صاحبها و لا ميوله و لا ما يبغي، هي أن ترهن ثروة الفسفاط لشركة بريطانية، و ترهن ثروة النفط لشركة قطرية، ثم تزعم السيادة الوطنية.

الشريعة؟
هي أن تعد الناس بما لا تملك، هي أن تخطط من دون خطط، و هي أن تشغل الناس عن حيرتك و شحاذتك بسلسلة لا تنتهي من القضايا التي لا معنى لها.

الشريعة؟
هي أن لا يجرّم الفقر و يجرّم الفكر. هي أن تطول يد السارق و تقصر يد رب العائلة. هي أن تعنّف كل من يغيظك قوله أو عمله، هي أن تستبيح دم من لا تفهم كلامه، و تكفّر من لم تقرأ كتابه.


الشريعة؟
هي أن تزعم طاعة الرسول صلى الله عليه و سلم فتعصيه، و هي أن تزعم حبك لأثر الصحابة فتُخالفه، و هي أن تقرأ التاريخ فتجهله، هي أن تظن أن أقوال بن تيمية أو غيره امتدادا للقرآن لا تفكّرا فيه.

الشريعة؟
هي ما لم يحدده أحد و ما لم يتفق عليه اثنان. و عوض أن تدعوَ إلى العمل على فهمه و ايجاد كلمة سواء فيه، تفرض تطبيقه (رؤيتك له) يساندك في ذلك أناس لم يتساءلوا قط، بل يخشون حتى من مجرد التساؤل...


الشريعة؟
أهي شريعة الله ؟ أم شريعة النهضة؟




Translate