Friday, August 16, 2013

سوق الكساد (حديث إلى الكاتب)



نص خطاب أتوجّه به اليوم إلى جمهور الأدباء الشبان، و ضيوف ملتقى قليبية للأدباء الشبان..

يقول الشاعر :
إلى كم ذا التخلف و التوانـــــــي ـــ و كم هذا التمادي في التمادي
و شغل النفس عن طلب المعالي ـــ ببيـــع الشعر في سوق الكسادِ

و السوق اليوم كاسدة، و التخلفُ و التواني ضاربان في البلاد كما لم نعرف من قبل، فهل يرحل الشاعر؟ و أية معال تراهُ يلقاها بعيدا عن الشعر، و عن الأدب؟ لقد علّمتنا تجربة المتنبي أن معالي الشعر أرفع من المناصب و أكبر من السلط، و أن الكاتب وحده من يصنع من الحاكم كافورا أو سيف دولة..

إن سوق الكساد هو السوق الذي يجب أن يباع الشعر فيه للناس، و إن زمن التخلف و التواني هو الزمن الذي يحتاج أكثر من أي زمن آخر إلى شجرة الكاتب الوارفة، و إن الوطن الذي أصابته شيخوخة مبكرة، هو أكثر الأوطان حاجة إلى ماء المداد حتى يستعيد نضارته..

إن علاقة الأوطان الجريحة بغزارة المنتوج الأدبي لا علاقة لها بالصدفة. لها ذات وقع الجسم الجريح حينما يفرز وسائل المقاومة و الحماية. ليس غريبا اذا أن يأتينا المتنبي في زمن كسوف الدولة العباسية، و أن يطلع علينا بن حزم وسط حروب ملوك الطوائف، و أن يسطع نجم نزار القباني زمن النكبة المريرة، و أن يولد محمود درويش و غسان كنفاني من رحم المأساة الفلسطينية..
ترون إذا، أن فعل الكتابة اليوم ليس ترفا فكريا، بل مقاومة حقيقية، عملية انعاش و افاقة قبل أن يسقط الوطن في حالة غيبوبة قد تطول..

الكتابة في هذا الزمن اذا جدّية جدا، أو يجب أن تكون كذلك.. في أكثر الأعمال ظرفا، أو بساطة، يجب أن تتوفر تلك الجدية.. و على الكاتب أن يعامل أوراقه بمنتهى الاحترام و كل تهاون في ذلك هو تهاون في انعاش الوطن.. عليك أيها الكاتب اليوم أن تبحث، أن تتأمل، أن تفكر طويلا، و أن تقدم لسوق الكساد لغة جديدة، و قولا جديدا، و أفكارا جديدة.. فكر بكل حرف تمرّ عبره، كما يفكر الجنديّ بكلّ خطوة يخطوها وسط الألغام.. راود الأفكار البعيدة، تحرّش بها، تحسس أجسادها بكل وحشية الكاتب، و احفظ تضاريسها جيدا قبل أن تخلّدها على الورق، إن الأفكار مسمومة أحيانا، و قد تقتل الورق، فكن مغامرا ماهرا.

هناك، عند نهاية الكتاب، ستجد هوّة عميقة، فيها قراء مترددون مرهقون، و دور نشر يعدون على الأصابع، و آلات طباعة عتيقة و اعلام يراقب بمنظار مقرّب جديد الساحة الادبية.. ارم نفسك في الهوة، و خض المعركة.. قاتل كي يقرأك الناس و لا يهمّ كثيرا بعد ذلك أن يعجب الناس بما كتبت أم لم يفعلوا، فالافادة حاصلة في الحالتين..

هنا في هذا المكان الجميل، تخلّصت من عادة الحبو، و تعلّمت المشي.. أفرزت خطواتي الأولى كتابا أرجو له شيئا من التوفيق، و الكثير من القراء، لكنني أعلم أن الطريق طويلة.. و أن التحول من سوق الكساد إلى سوق عكاض، لا يمرّ عبر كتاب وحيد.. و لئن لم أختر أن أكون كاتبا، فقد اخترتُ أن أجيد ذلك، أو أحاول على الأقل.. قاتلوا من أجل الأدب يرحمنا و يرحمكم الله، قاتلوا من أجل الأدب يرحمنا و يرحكم الله.. 



16 آب 2013

Translate