Tuesday, October 29, 2013

تقديم الخروج عن الخطّ بمعرض تونس الدولي للكتاب 2013


في لقاء قصير، جمع الكاتب بأحباء الكتاب (و رفاقه القدامى) في معرض تونس الدولي للكتاب، تفضل الأستاذ يوسف عبد العاطي ـ مشكورا ـ بتقديم كتاب الخروج عن الخطّ. و قد نظّم اللقاء نادي مصطفى الفارسي للابداع الفنّي.

و قد قدّم الأستاذ جملة من الملاحظات بخصوص الكتاب، لم يجد الكاتب وقتا للاجابة عليها، فضلا عن أنها لم تأخذ قالب الأسئلة بقدر ما أخذت قالب الدرس الذي يعطيه الأستاذ إلى تلميذه. و هو بالفعل أستاذ، و أنا بالفعل تلميذ، و ما أكثر أن يخطئ أستاذ من حيث يصيب التلميذ. على أن الردّ هنا لا يأخذ صفة قطعية و لا حاسمة. و إنّما يقدّم الكاتب ما رآه و للقارئ أن يبحث و يفكّر بنفسه و يتقصّى عن الحقيقة بين الموقفين.

فبداية، لاحظ الأستاذ أن تقديم الكاتب في خلفيّة الكتاب، فيه انتقاص الكاتب لنفسه، و لمؤلَّفه، و أنّ ذلك لا يستقيم و لو لكاتب "شاب" يخطو خطواته الأولى. فالقول "يزعم أنه يجيد الكتابة" بحسب
استنتاج الأستاذ تعني أنه لا يجيدها حقا. و هذا ينافي معنى "الزعم" في اللغة. ففي لسان العرب نجد ما يلي :

زَعَمَ زَعْماً وزُعْماً وزِعْماً أي قال، وقيل: هو القول يكون حقّاً ويكون باطلاً، وأَنشد ابن الأَعرابي لأُمَيّةَ في الزَّعْم الذي هو حق: وإِني أَذينٌ لكم أَنه سَيُنجِزُكم ربُّكم ما زَعَمْ.

فالزعم هنا، يحتمل الحق و الكذب، و الكتاب بذلك يتنصّل من رأي الكاتب، أي أن الكاتب يعتقد أنه يجيد الكتابة، لكنّ الحكم لا يكون الا للقارئ، إذا ما أمسك بالكتاب و قرأه و حكم عليه بنفسه. و بذلك فالراجح هنا، أن لا نقص في الثقة بالنفس كما ذهب إلى ذلك الأستاذ يوسف عبد العاطي، و إنّما قد يكون العكس تماما، أي أنه حاول إخفاء ثقة قد يبدو مبالغا فيها.

الملاحظة الثانية التي أبداها الأستاذ، و أيضا رئيس النادي، الدكتور المختار بن إسماعيل، في قول الكاتب "ينظم القصص". و قد رأى كلاهما أن النظم لا يكون إلاّ في الشعر، لا في النثر. و هنا أتساءل إن كانا بالفعل يعتقدان أن الكاتب تفوته مثل هذه المعلومة البديهيّة التي لا يجهلها طالب في التعليم الثانويّ، أم أنّ تجربتيهما الطويلة في عالم الأدب، علّمتهما أن لا يستغربا جهل البعض بمثل ذلك. على أنّ هذه الملاحظة تحديدا، تبدو دليلا إضافيّا على ما قد يذهب إليه الكاتب من استنتاج أن القارئ عموما، و القارئ المتمكّن خصوصا، لا يأخذ الكتابات الشابّة مأخذ الجدّ، بل و ربما بشيء من الاستهانة، و هو أمر قد يستفيض الكاتب في شرحه، في تدوينة منفصلة.
المهمّ أنّ النظم يكون في الشعر، لا يكون في النثر، و لكنّه قد يكون في القصص ذلك أنها (القصص) قد تكون في شكل قصائد كما فعل أحمد شوقي مثلا. فلا تلازم إذا، بين النثر و القصص. بل و يمكن الذهاب إلى ماهو أبعد من ذلك، فنظم القصص هنا قد يكون استعارة. و هو ما ذكره الكاتبُ للأستاذين (في لقاء سابق)، غير أنّهما اعترضا بقول بدا له غريبا "النظم لا يكون في النثر، هذا غير منطقيّ، و المجاز فيه منطق، لا يستعمل كيف ما جاء."
تخيّلوا أن نطبّق هذا القول على قوله تعالى :"و آية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون". (يس 37) إذ يمكن هنا أن نقول الشيء نفسه : الليل لا يُسلخ، و النهار لا ينسلخ، و هذا غير منطقيّ ألخ.. هل العيب في القرآن أم في تناولنا للاستعارة؟
فالاستعارة تبنى هنا باعتبار الجامع، و هو جامع عقليّ، فمن خاصيات النظم، حسن انتقاء الألفاظ، و حسن توزيعها، و هو ما "يزعم" أن قصص الكتاب تقدّمها. و هذا المعنى تؤكّده العبارة التي تليها "بصرامة المهندس". ذلك أن المهندس (أو المفترض من المهندس) دقيق في عمله، لا يختار أدواته عبثا.

و تبيين هذا المعنى، لا يأتي في سياق "هذا هو المقصود"، فهذا يعني فشل النص في تفسير نفسه. و لكنّه يأتي في محاولة لاستدراج القارئ (من الخاصّة أو العامة) أن يكون أكثر جدّية في قراءة النص، و أقلّ تهاونا، و إن كان الكاتب حديث عهد بالنشر و الكتابة. و يضع سرّه في أضعف خلقه..

كذلك، يذكر الأستاذ يوسف مسألة الأشهر، و لا يجد ما يبرّر استعمال الكاتب لأسماء الأشهر "المستعملة في الشرق"، و يؤكد أن لأسماء الأشهر المستعملة في تونس من الرمزية ما يغنينا عن أسماء الأشهر الأخرى. و كالعادة لم ترد الملاحظة في شكل سؤال، ممّا يثير التساؤل بشأن معرفة الأستاذ بأصول تسميات الأشهر و غيرها.
فبداية، لم تُستعمل هذه الأسماء في كتابة القصص، إذ لا وجود لتحديد زمانيّ في أي من الأقصوصات الواردة بالكتاب (قد أكون مخطئا). و إنما ذكرت هذه الأسماء، في نهاية كل أقصوصة، تحديدا من الكاتب لزمن كتابتها. فهي إذا خارجة عن النص و لا علاقة لها به. ثانيا، هذه الأسماء، ليست "المستعملة في الشرق"، كما عرّفها الأستاذ، بل هي الأشهر السريانية، التي يستعملها أهل الشام، و العراق (تستعمل دول سوريا، فلسطين، لبنان، الأردنّ و العراق). و هي أشهر ذات أصول أراميّة، دخلت اللغة العربية من خلال اللغة السريانية، ثم تم تعريبها حيث أصبحت ترد بكثرة في الكتب العربية القديمة. و هي بذلك الأسماء المستعملة في اللغة العربية للدلالة على الاشهر الشمسية، من قبل أن يدخل العرب إلى المغرب العربيّ. و هي كما تلاحظون، معرّبة تتناغم مع اللفظ العربيّ، عكس الاشهر المستعملة اليوم في المغرب العربيّ، و مصر و دول الخليج. حيث قاموا بتعريب الأشهر من الانكليزية و الفرنسية (بينما استعملت المغرب الاشهر المعتمدة عند البربر و التي استقوها من اللاتينية، و تستعمل أيضا في تونس منذ القديم لاغراض فلاحية، و نسميها الاشهر العجمية و هي كما قلت، ذات أصول لاتينية.)
إذا، ما الرمزيّة في استعمال لفظة "فيفري" بينما لا أحد في تونس ينطقها بفاءين، فالجميع يقول fiivri بينما يلفظ جوان كما في الفرنسية تماما..؟ ما الرمزية في استعمال اسم يوليوس قيصر لتسمية شهر تمّوز؟ و ما الرمزية في استعمال لفظة DEC اللاتينية للدلالة على الشهر العاشر ديسمبر (قبل عمليات التحويل التي جعلته الشهر الأخير) ؟ و ما الضرر في الدعوة إلى استعمال أسماء لها تاريخ عربيّ، و لها رنين عربيّ لا بأس به ؟ و ما الضرر في الدعوة الى الاتفاق على أسماء أشهر واحدة للجميع؟ أليست اللغة العربية، هي اللغة الوحيدة ربما، التي لا تملك أسماء للأشهر الشمسية؟ ألم يحن الوقت لتوحيدها؟ ألا تستقيم الدعوة إلى ذلك عبر تعويد القارئ على شكلها؟ أم لا يحق لكاتب شاب أن يقيم هذه الدعوة؟

لسان العرب :
تشر : التهذيب عن الليث. تِشْرينُ اسم شهر من شهور الخريف بالرومية، قال أَبو منصور: وهما تِشْرِينان تشرين الأَول وتشرين الثاني وهما قبل الكانونين.
انتهى...

ملحوظة أخيرة، ذكرها الأستاذ عبد العاطي، تتعلّق بالنصّ نفسه (أخيرا!) و هي مسألة استعمال اللهجة العامية. و قد ذكر أن اللهجة العاميّة يمكن أن تستعمل مثلا في المقاطع الحواريّة. لا أن تتجاوز ذلك إلى النصّ نفسه. و الملحوظة الأخيرة هي ما يثير الحيرة، فلا يذكر كاتب القصص ـ و هو يعاني أعراض بداية الزهايمر على ما يبدو ـ أنه فعل ذلك. عموما يُرجى من القارئ ـ الايجابيّ (تيمّنا بالإخوة جماعة التنمية البشرية) ـ أن يدلّنا إن وجد شيئا من ذلك، هنا، فقد يحصل ذلك سهوا، أو قد يحدث تغيير في حرف يجعل من اللفظ العربيّ عاميّا (كما في الخطإ الوارد في قصة سندريلا : عربية بدل عربة و هي من اللهجة المصرية)..
ما يدعم هذه الحيرة، تلفّظ الأستاذ في سياق تعديده لعناصر اللوحة في أقصوصة الخروج عن الخطّ (و هي لوحة واحدة و ليست لوحات عديدة كما ذهب الأستاذ في قراءته)  بلفظتي : سطح، و زيتونة، كما تٌلفظان باللهجة العامّيّة، كأنّما ليس لهما وجود في اللغة العربية، مما أثار شكوك الكاتب و جعله يراجع قواميس اللغة علّه يكون مخطئا (و لم يكن)...
إنّ تقريب لغة القصّ إلى القارئ التونسيّ البسيط كان من بين الأهداف المهمّة التي رسمها الكاتب خلال خروجه عن الخطّ. فالتباين الذي يشتدّ بين الفصحى و العامّية لا مبرر له، و الأحقّ أن تطعِم العامّية الفصحى بالعبارة الحيّة، ابنة العصر، و الأحق أن تطعم الفصحى ابنتها العامّية باللفظ القويم، الفصيح، عوض استحضاره من اللغات الأخرى.. هكذا فقط تبقى العلاقة بين الفصحى و العامية علاقة أبويّة لا انفصال لها.
على أن تقريب المسافة بينهما، لا يعني أن تحلّ العاميّة محلّ الفصحى في اللفظ، و لا يعني أن يعبّر الكاتب عن المعنى باستعمال أدوات عامّيّة. و هذا لا ينطبق على المقاطع الحواريّة التي يعتبرها الكاتب ملكا للشخصيات لا ملكه.

ختاما، لا بدّ من شكر الأستاذ يوسف عبد العاطي، على نصائحه، و ملاحظاته، و ما من شكّ أنّ تجربته الطويلة مفيدة للشباب، و أن نصائحه مهمّة. على أنّ ذلك، لا يلغي، حقّ الكاتب في أن يقدّم مادة مختلفة، ربّما لم يتعوّد أهل الأدب في تونس على مثلها. كما لا بدّ من شكر نادي مصطفى الفارسي على مجهوداته التي لا يلحظها العامة مثلما لا تلحظها الدولة، و لا تمنحها حقها من الاعتراف، و من المساعدة (المعنوية خصوصا) .. كما لا بدّ من شكر الإعلام أيضا على اهتمامه الكبير بالندوات الادبية، و كل ما يتصلّ بالادب .. لا في هذه كنتُ أمزح طبعا -_-


Thursday, October 24, 2013

لماذا الأدب؟

قبيل انتهاء هذا اليوم الكئيب، تعود ذاكرتي إلى سنوات الدراسة الثانوية.. كنت في مكتبة المعهد النّموذجي، و هي قياسا، مكتبة "نموذجية" فيها ما لذّ و طاب من كتب الأدب و التاريخ و العلوم.. نادرا ما يستهلك تلاميذ المعهد هذه الكتب، فأغلبها لا يُعتمد في البرامج الرسميّة.. و أنتم تعلمون طبعا علاقة الحبّ التي تجمع تلميذا نموذجيا بما أراد له النظام أن يعلم.. 

في ذلك المكان الضيّق، عثرتُ على كنز اسمه "معجزُ أحمد"، و على "مسرح المجتمع" لتوفيق الحكيم. هناك جلستُ إلى "ستاندال" لأول مرة، و أقمتُ صداقة مع المدعوّ "فلوبير".. و أناس ظرفاء آخرين.. هناك بحثتُ أكثر في أسباب سقوط الأندلس، و انغمستُ أكثر مع تجربة المأمون السياسية.. و انتقل تفكيري إلى مستويات أعقد لم أكن أعرفها..

في ذلك المكان الضيق أيضا، توجّهت إليّ "س" بسؤال لن أنساه ما حييت.. قد أنسى اجاباتي الكثيرة و انفعالاتي الحادّة، و لكنني لا أنسى السؤال .. 
"لماذا الأدب؟ غدا تصبح أنت مهندسا، و أصبح أنا طبيبة. سيقدم كلانا خدمة للمجتمع، و سيرقى به، فلم الأدب؟ ما نفع كلمات رقيقة حالمة نتبادلها حينما نملك ترف الوقت لذلك؟ ما الذي ستضيفه ثلاثية نجيب محفوظ إلى قائمة الاكتشافات البشرية؟ و هل سيتحسّن وضع الدينار بمجرّد أن يقرأ الناس أغاني الحياة؟ أم إنّ شبكة المواصلات لن تتطوّر إذا لم نقرأ أعمال تشيكوف و غوغول؟"

أنا لا أعرف أين هي "س" اليوم، و لا ماذا تفعل، و لكنّني أعرف جيدا ماذا يحصل لذلك الشعب الذي لا تـُلقي كفاءاته بالا لنجيب محفوظ و أغاني الحياة و تشيكوف و غوغول.. أنا لا أعرف أين هي "س" اليوم، لكن من المؤكد أن هناك آلافا مثلها، اِجتازوا درجات التكوين الأكاديميّ دون أن يلمسوا كتابا أدبيا واحدا.. آلاف مثلها، يلبسون ميدعات أطباء، و جراحين، أو يحملون قبعات قضاة أو محامين، أو يحملون حقائب أساتذة أو معماريين.. أفكارهم جافة مكرّرة، خيالهم مريض بالهزال المزمن، لا يقدرون على التجديد، و لا عن التعبير عن أفكارهم... و لا يقدرون على التواصل مع الآخرين بشكل سليم.. 
هؤلاء هم الذين تجدونهم اليوم في الإدارة، ينظرون إلى آلاف العيوب التي تخترق جسد النظام و ينخر ما بقي من هيكله، و لا يقدرون على تغيير شيء، فأذهانهم نفسها لا تتغيّر.. و لا تفهم أن الحياة فعل تغيّر مستمرّ.. 

بالأمس رأيتُ على شبكة "فايسبوك" سيلا من الشّباب، يكبّرون في سعادة و رضا عن استشهاد أمنيّ وكـَّـله الشعب للذود عنه.. لم أفاجأ كثيرا، حينما اكتشفتُ أنّ أغلبهم من طلبة الهندسة، أو معاهد التقنية، أو حتى الطبّ..
إنّها القصة التي تتكرّر كلّ جيل، منذ سنوات ليست بقليلة : علوم تقنيّة، معلومات دونما معرفة، قطع مع كل أشكال الفكر و الفنّ و التفكّر و التفكير، فراغ روحيّ، و بساطة ذهنيّة، تأتي مسكّنات روحيّة فقيرة هشّة، بساطته الذهنية، تجعله لا يستوعب غيرها، يتعلّق بالمسكنات فيعلق.. 


لا أريد أن أختصر التطرّف في هذا المنوال، هناك أوجه عديدة، يجتمع بعضها فيخلق عقيدة الخراب هذه، لكنّ المؤكد أن للرداءة سببا واحدا.. و الرداءة لا تقتصر على تصوّراتنا الميتافيزيقية و الايتيقيّة فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى.. كلّ شيء تقريبا.. "و فيمَ يفيدُنا الأدب؟" ينقذنا من الرداءة مثلا.. يراودني السؤال بينما يتوالى التكبير من حولي..

و حينما أرى هؤلاء المهلّلين المكبرين من المهندسين و الأطباء، يراودني سؤال ثان، ترى هل تراه يقول الشيء نفسه لو قرأ "أشواك السلام"؟ أو "لن تحدث حرب طروادة"؟ هل كان سيعتقد الشيء نفسه لو غمرته صغيرا لذة قراءة "هو الكون حيٌّ يحبّ الحياة.." ؟ و أيّة متعة روحية سيلقاها في هذا الأنموذج الرديء، لو أنه حاك عبر آلاف الاستعارات و المجازات و الأساطير و القصص انموذجا أكثر "رقيّا" و تعقيدا و عناية؟

مشكلتنا مع الخيال باتت أشبه بالعقدة، فنحن نرفض الخيال و نهرب إليه.. نشمّه كما الأفيون سرّا، ثمّ نذمّه جهرا.. لذلك ظلّ خيالنا الشعبيّ ركيكا، مبتذلا، نراه في مسلسلاتنا الرمضانية، و في أغانينا، و ربما في كتبنا. فماذا عسى واقعنا أن يكون، إذا ما كان خيالنا مبتذلا؟
يقولون إنّ أدب القصة، يهرب بنا من الواقع، و يهرب بنا من مشاكلنا الحقيقيّة، و لعلّ ذلك ما أملاه علينا خيالُنا المبتذل. إنّ عيوننا قاصرة، لا تقدر أن ترى الأشعة ما فوق البنفسجية، و لا تقدر أن ترى جوانب كثيرة من الحياة، و هنا يمارس أدب القصة دوره في اعادة قولبة الواقع، اعادة تشكيله حتى يمكن لعين القارئ أن يرى ما لم يره من قبل.. و في أشدّ القصص انغماسا في الخيال و الأسطورة، سوبرمان على سبيل المثال، سنجد انعكاسا كبيرا للنفسية الأمريكية خلال أزمة الثلاثينات.. 

يقولون إن أدب القصة، ترف فكريّ لا يعني بلادا تعاني كي تنتشل نفسها من انهيار ممكن. أقول إنّ ما لا نملكه من خيال، يجعلنا عاجزين على الحلم بشكل سليم.. أحلامنا نفسها ركيكة، نحاول أن نتوكأ على أحلام الآخرين، لأننا عاجزون عن صناعتها.. 
أدب القصة هو حاجة أكيدة لشعب مثلنا، يعاني من فقر رهيب في الذوق الجماعيّ.. أدب القصة هو ما قد يقدّم المثال، النموذج الأرقى، لما نريد و ما نحلم.. أدب القصة، يخاطب فينا اللاشعور قبل الشعور، و يغيّر فينا ما لا نعلم، و يرتقي بالأذواق من حيث لا نشعر. هكذا حصل مع الأمم السابقة. فلا مصادفة هنا إن تزامن ميلاد ميلاد كليلة و دمنة، و مقامات الهمذانيّ، بفترة هي الأعظم في تاريخنا، و لا مصادفة إن عرفت مصر تطوّرا لا بأس به في زمن توفيق الحكيم، و نجيب محفوظ.. 

في الختام، أحب أن أذكر الطلبة من مهندسين و أطباء و خبراء قانون و صحفيين و أساتذة، و تقنيين، بمقولة أينشتاين الخالدة :"إن الخيال أهمّ بكثير من المعرفة. ذلك أن المعرفة محدودة بما نعرفه الآن في لحظتنا هذه، أما الخيال فيضمّ الكون كلّه، و كلّ ما يمكننا أن نعرفه أو نفهمه."



Translate