Friday, December 29, 2017

ما تبقّى لنا .. من 2017

ينتهي 2017 قريبا، ويترك بابه مفتوحا لتلك الأفلام التي سمعنا عنها الكثير ولم تسمح لنا ظروف التوزيع باكتشافها بعدُ. سوف أترُكها لسنة 2018، مثلما تركت لي السنةُ الماضيةُ أفضل بقاياها لأضمّها إلى أهمِّ أعمال هذه السنة، فإذا هي تتبوّأ أعلى ترتيبها كأنّ أفضل أفلام 2017 هي أفلامُ 2016!


هل هذه السنةُ هزيلة إلى هذا الحدّ؟ ليس تماما، فقد شهدت نجاحا غير مسبوق للأفلام المستقلّة رغم عائدات أفلام ديزني الخياليّة، وشهدت محاولات شديدة التنوّع رغم الإفراط في أفلام الأقليّات حتّى التخمة، ولقيت أفلام سينما العالم حظّها بشكل جيّد. على أنّ كلّ هذه الأعمال لم ترتقِ في أغلبها إلى مستوى الأعمال العظيمة، ولن ترتبط سنة 2017 إلاّ بنزر منها قليل. سأقدّم هذه السنة قائمة طويلة نسبيّا لأنّ المستوى متقارب، ولأنّ تفضيلاتي في كثير من الأحيان غير دقيقة، كما أنّ مدّ القائمة، يمنحها تنوّعا وثراء أكبر ربّما يفيد القرّاء.



20 - دنكرك Dunkirk ـ كْريستُفِر نُولَنْ
كنتُ قدّ قدّمت قراءة للفيلم هنا، لذلك لن أقف عنده طويلا. يعود نولَن إلى الحرب العالميّة الثانية، وتحديد إلى عمليّة انسحاب دنكرك التي نجح فيها البريطانيون من إجلاء مئات الآلاف من جنودهم العالقين في الساحل الفرنسيّ المحاصر بقوّات المحور. وفي هذا الفيلم، يمارس المخرج البريطانيُّ لعبته الأثيرة مع الزمن، ومع خطوط السرد، مستعينا بمحرار موسيقيٍّ متميّز جديد من هانس تْسِمِّر Hans Zimmer. ما أعيبه على الفيلم، هو تلك الأخطاء القاتلة في التفاصيل الصغيرة، في فيلم يعتدُّ بتفاصيله الصغيرة نفسها!



19 - اُخرج Get Out ـ جُرْدَنْ بِيلْ
يحتاج هذا الفيلم إلى نصّ مفرد، ليس لأنّه أكثر الأفلام نجاحا في ورقات النقّاد، ولكن لأنّه قدَّ من لغةٍ ذكيّة استعادت زلاّت اللغة الاجتماعيّة، وهفوات اللباقة السياسيّة لتفضح مخابئ العنصريّة الباقية في المجتمع الأمريكيّ. ولعلّ فيلم جودن بيل أحدُ أهمِّ أفلام الرّعب في السنوات الأخيرة، ولولا أنّه في مستوى الشكل إذْ أعاد استعمال عناصر سينما الرّعب، حافظ على مظهرها إلى حدّ مملّ وفاضح (كان كلّ شيء معروفا مسبقا بحيث لا يمكن أن تشعر بالإثارة) ومغالط أيضا (حتّى إنّه عدّ فيلما كوميديّا في حفل الغولدن غلوب)، لكان أهمّ فيلم لهذا العام. والأكيد أنّنا سنجد Get Out في حفل الأوسكار القادم.


18 - لاشيوود أو نوثينغ-وود Nothingwood ـ سنية كْرُنْلُودْ
لا أشاهد كثيرا الأفلام الوثائقيّة وربّما كنتُ مقصّرا في هذا الجانب، ولكن مادمنا في عالم القصّة والخيال، فهذا الوثائقيّ لا يخرج عن طبيعة القائمة. فنوثنغوود هي سينما اللاشيء، لا هي بهوليوود ولا بوليوود، حيث الأموال والمعدّات والبنى التحتيّة. سينما اللاشيء توجد في أفغانستان التي لم تنفض عن نفسها غبار الحرب بعدُ، ولا غبار سنوات طالبان والقاعدة، ومؤسّسها والناشط الوحيد فيها، هو نجم أفغانستان السينمائيُّ سليم شاهين. يعمل سليم شاهين مخرجا وممثلا وكاتبا ومنتجا وربّما مؤلف أغانٍ أيضا، ووكيل أعمال، ومفاوضا وموزّعا… باختصار سليم شاهين هو دار صناعة السينما في أفغانستان، وهي صناعة فقيرة، بسيطة، في العتاد وفي الشكل والمضمون، لكنّ لها سحرا في قلوب الأفغان رافقهم طيلة سنوات الظلام. إن قصة سليم شاهين تشبه ربّما قصة Edwood الشهيرة، ولكنّها قصة واقعيّة هذه المرة. إن ما يشدّ في هذا العمل التوثيقيّ هو قدرته على تسجيل سخافة العمل نفسه، والمَلكة الفنيّة العظيمة التي يملكها صاحبها ولم تُصقل طيلة السنين الطويلة. كما أنّ صديقه قربان عليّ الذي يضطلع بالأدوار النسائيّة مادّة لفيلم توثيقيّ آخر تماما عن عالم الأقليّات الجندرية في أفغانستان.


17 - الأمريكية الحُلوة American honey ـ لأندريا أرنُلد
أجل هو أحد أفلام 2016 لكنّ توزيعه خارج الولايات كان غالبا هذه السنة. على امتداد يقارب الساعات الثلاث، تسافر بنا أندريا في أمريكا التي لا نعرفها، مع مجموعة من شباب الهامش الذي لا مأوى لهم. مهمّتهم إقناع الناس بشراء اشتراكات دوريّة في مجلات يحصلون على نسبة من أرباحها. مع ستار Star الجميلة، نعيد اكتشاف أمريكا وطبقاتها المختلفة، ونتعرف على أولئك الكادحين كي لا يقعوا تحت خطّ الفقر. أدّت ساشا لاين Sasha Lane دور ستار بشكل متميّز فعلا، ورافقها بامتياز شِيا لبوف Shia LeBoeuf.

16 - لاكي Lucky ـ جون كارُل لِنش
مع نهاية العام، يفاجئنا هذا الفيلمُ بالمخرج الكبير دايفد لِنش David Lynch ممثلا. تعاني شخصيّتُه من تعلّقها بسلحفاة يعرف أنّها سوف تعيش أكثر منه بكثير. لكن هذا ليس إلا انعكاسا لشخصية الفيلم الرئيسيّة. يؤدّي هاري دين ستانتُن Harry Dean Stanton شخصية لاكي، عجوزٌ وحيد يعيش في مدينة صغيرة، بحفاظه على روتين يوميّ بسيط وفيه بعض النشاط والرياضة، كان لاكي يعتبر نفسَه منالا بعيدا عن الموت، إلى أن جاءت اللحظة التي وقع فيها على الأرض من دون أيّ سبب. يقول له الطبيب ليس بك شيء، وداؤك في الهرم. تفزعه حقيقة الكون كأنّما يراها لأوّل مرة، فيحاول مواجهتها، ويحاول فهمها، لعلّه يتقبّلها قبل فوات الأوان. قصة لاكي مؤثّرة جدّا ورائعة، ولا يعيبها برأيي سوى فشلها في التخلّص من العقدة، وانزلاقها نحو استنتاج لا يبدو منسجما كثيرا مع ما يسبقه. ما يزيد في خصوصيّة هذا الفيلم، تعلّقه الكبير بهاري دين ستانتن، فقد حدّد بنفسين روتين شخصيّته، استئناسا بحياته الشخصية، كما أنّ هاري توفّي بالفعل قبل عرض الفيلم بأشهر قليلة، ليجعله عملا في أصالته نادرا!



15 - مهما كلّف الأمر Hell or High Water ـ دايفد ماكنزي
هو أيضا أحد أعمال 2016، وكان في بداية هذا العام أحد المرشّحين لأوسكار أفضل فيلم. وفيه قدّم جفّ بريدجز Jeff Bridges أحد أجمل أدواره منذ مدّة طويلة.
هذه تكساس، بقبعاتها، وربطات عنقها الفريدة وبلداتها الصغيرة وأناسها الذين يملكون فكرة مختلفة عن اللطف والود، لا أحد يمزح مع المال في تكساس، حيث تبدو ثقافة الرأسمالية محافظة على طبيعتها البدائية ولم تغلفها العولمة بعد، وبذات الأسلوب البدائي توالت عمليات الأخوين توبي وتانر لنهب فروع بنك تكساس ميدلاند، وكان ماركس وزميله ألبرتو باركر (ذي الأصول الهندية) في أثرهما لإيقافهما.
ومع توالي العمليات واقتراب لحظة المواجهة، نكتشف أننا ربما اخترنا منذ البداية الفريق الخطأ، وأن الحقيقة حمالة أوجه في تكساس.



14 - صمت Silence ـ لمارتن سكورسيزي
لا أفهم لماذا تجاهل القوم هذه التحفة الجميلة لسكورسيزي. لقد قدّم لنا هذا العامُ أفلاما كثيرة بحثَ أصحابُها فيها عن الله، وعبّروا عن أزماتهم الروحية والفكرية تجاه الغيب والله وما بعد الموت، وصمت هو أكثرُها وضوحا.

يعود سكورسيزي إلى اليابان في حقبة مظلمة عرفت تعذيب المتنصّرين والمبعوثين المبشّرين، لا ليكتفيَ بوصف عذاباتهم، وجهاد المؤمنين في سبيل الله، وإنّما ليحلّل أثر انتقال الدين أو الإديولوجيا من ثقافة إلى أخرى، 
وليقتفيَ صوتَ الله في لحظات الهزيمة وفي ذروة الشكِّ، وفي مستنقع الصّمت.



13 - مشروع فلورِدا The Florida Project ـ لشين بايكر
فكرتُنا عن فلورِدا لا يمكن أن تتخلّص من شمسِها الساطعة ولا من اللون الأزرق الذي يغمر أكثر مشاهدها، ولا من ذلك الرأس الأسود ذي الأذنين الدائريّتين. ديزني هو فلوردا مثلما هوليود هي لوس أنجلس.

قريبا من أكبر منتجع ترفيهيّ في العالم، تعيش الطفلة موني Moonee مع أمها هايلي في إقامة بسطية يديرها بوبي (ويليم ديفوي). لا أحد يحبّ طريقة هيلي في التعامل مع ابنتها، فهي لا ترغمها على فعل شيء، لا تُشعِرها بأي واجب، لا توبّخها، وإنما تشجّعها فقط على إصلاح أخطائها. تحاول هايلي أيضا أن لا تشعر ابنتُها بمشاكلها الماديّة. فليست وظيفة الأطفال أن يهتمّوا بهذه الأمور. ولكن لا يبدو الأمر بهذه البساطة.

مشروع فلوردا The Florida Project يصف العالم بعينيْ طفلة صغيرةٍ، تطارد حقّها في أن تكون طفلةً صغيرة، لكنّ منظومة الحلم الأمريكيّ بإصرار ملفت ترفض ذلك.

مشروع فلوردا، هو أحد أهمّ أفلام هذا الموسم ومعلّقته لعلّها الأجمل في هذا العام!


12 - المُبجَّلُ واو. Le vénérable W. ـ باغبت شغوده Barbet Schroeder
عندما انتشرت صور مجازر بورما، مع التعليقات الركيكة المجيّشة للمشاعر، كانت فكرتي عن الموضوع أساسا أنّها أبعد ما يكون عن الواقع، وأنّ ما يحدث هو أقرب للحرب الاهلية فيه ضحايا من الجانبين، بل إنّي اعتبرت الكلمةَ متهوّرة، واعتبرت أنّ الأمر ليس بالوحشية التي تسوّق. ثمّ إنّني شاهدتُ هذا الفيلم الوثائقيَّ ورميتُ كلّ هذا الكلام في الماء…

في الفيلم الفرنسي الصادم، يذهبُ السويسري باغبت شغوده إلى ماندلاي Mandalay إحدى أكبر مدن ميانمار (أو بورما) وقابل رجل الدّين البوذيّ ويراتو Wirathu زعيم تنظيم راديكاليّ ينادي بالتطهير العرقي للبلاد من الـ كالار Kalars كما يطلقون على المسلمين.

ويرجع الفيلم للحظات الأولى لتكوّن أفكار ويراتو، وكتاباته الأولى المصادرة، ونضالاته وتحوّله إلى زعيم دينيّ وطنيّ في بلاد يحكمها العسكر بالحديد والنار والدّين.

حاول شغوده أن ينقل أكثر ما يمكن بتجرّد، فكان ذكيّا ونقل مختلف العناصر الّتي ألهبت هذا الصراع: بالعودة إلى الجذور التاريخية، بالاجابة على السؤال العرقي، بالاهتمام بوضع الجيش، وبالوضع الاقتصادي، وبما تمثّله منطقةٌ تجمع أغلب المسلمين الروهينجا بالنسبة لأصحاب السلطة... وبذكاء كبير راوح بين منطق الراهب "المبجّل" ويراتو، وبعض الاقتباسات من كتب بوذية مقدسة، نرى بوضوح تأثير اللعبة التأويليّة... أيضا راوح بين خطاب التخويف العرقي من المسلمين، والأرقام والوقائع، ولمّح من خلالها إلى ذات المخاوف اللي تتردّد في أوروبا...

الحقيقة أنّ الفيلم مساحة هائلة للتأمّل في أشياء كثيرة بخصوص الدولة والدين والاقتصاد والهوية والسلطة…


11 - قصة شبح A Ghost story ـ دايفد لوري
سبق وأن خصّصت مقالا لهذا الفيلم الجميل هنا. لذلك سأكتفي بالتذكير إلى أنه أحد أنجح الأفلام المستقلة لهذا العام. وقد أثمرت تعبيرتُه التجريبيةُ شيئا فريدا بالفعل. لذلك لا يمكن الحديث عنه كثيرا. هناك شبح، وهناك زوجان، ومنزل، وأثر المكان، وأثر الإنسان ودورة الزمانِ، وأسئلة كثيرة ترهقُ المخرجَ عمّا سيبقى منه بعد نهاية الأكوان، وهل يستحقُّ الأمرُ عناء المواصلة.

10 - بلا حبّ Nelyubov ـ أندري زفياغنتساف


لا شكّ أن الفيلمَ الفائز بجائزة لجنة التحكيم في كانّ Cannes هو أحد أهم التعبيرات السينمائية لهذا العام. فبحركة سينمائيّة بطيئة ولقطة عريضةِ ذات مسافة من شخصيّاته، يحكي "بلا حبّ" قصّة اختفاء الطفل آليوشا Alyosha من منزل والديه المشرفيْن على الطلاق، فيجبرهما على التخلّي عن عشيقيْهما وحياتيْهما المستقلّتين، والعودةِ إلى مواجهة الغياب، وما يتداعى معه من رسوبات الماضي. ليس آليوشا ثمرة حبٍّ، وربّما لن يكونه، لكنّه يصرّ أن لا تستمرَّ آلة المنظومة المعاصرة في الدّوران وإنتاج قطعان الأنانيّة والانكفاء على الذّات، يصرّ أن يحفر عميقا ويزرع الذّنبَ انتقامًا بل عقوبة. وبين المسافة التي تأخذُها القمرةُ عن الأبوينِ، وعن عمليّة البحث اليائسة، تتوالدُ روسيا المعاصرة، روسيا الفردانيّة، روسيا السيرة المهنيّة النظيفة والطموح، روسيا التي تتظاهر بالركض إلى الأمام، وهي قابعة في مكانها.

 9 - بايبي درايفر Baby Driver ـ إدغار رايت
من المتوقّع وجود هذه التحفة الظريفة في القائمة الضيّقة، فهو أحد الأفلام القليلة التي تهتمّ بالشكل وبالجماليّة وبالكيف أكثر من المضمون، ما يجعلُ قصةَ بطل الفيلم بايبي Baby غير ذات بال. فأغلبها مألوفٌ ومن قوالب شبه جائزة للاستعمال: فتى موهوب، فتاة جميلة، عصابة سرقة، مطاردات، نهب بنوك… لكنّ رايت أبدع في إخراج قوالب جمالية جديدة ومشاهد ذات إيقاع (حرفيّا) وروحٍ تجعل مشاهدة الفيلم تجربة شديدة المتعة.
لقراءة مقال مفصّل يرجى الانتقالُ هنا.

 8 - اللّي حصل في الهلتون The Nile Hilton Incident ـ طارق صالح
من المؤسف أنّ هذا الفيلمَ ليس مصريّا، فمخرجُه وأكثر أبطاله مصريون مع مساهمة عربيّة فعّالة يأتي أغلبها من المهجر. بل إنّ السلطات المصريّة منعت طارق صالح السويديَّ الأصل، من متابعة إنجاز الفيلم في القاهرة، فتحوّل بعتاده وممثّليه إلى الدار البيضاء. وبعد أن حوّل صوره إلى أهمّ فيلمٍ بوليسيٍّ في سنة 2017 بشهادة مهرجان سندانس Sundance الشهير، تمَّ منعه من العرض في مصر.

المشكلُ أن الفيلمَ لا يتعرّضُ للنظام الحاليِّ وإنما يرجع بنا إلى زمنِ حسني مبارك قبيلَ انتفاضة 25 يناير بقليلٍ، فينصّبُ فيها جريمة قتلِ مغنيّةِ شهيرةٍ يتورّط فيها رجل أعمالٍ كبيرٍ كما لو أنّها جريمة قتلِ سوزان تميم إذا ما وقعت في القاهرة بدل دبي. ثمّ إنّه يقدّمُ لنا فيليب مارلو المصريَّ : نور الدين مصطفى (وهو في الحقيقة ليس مصريّا جدّا إذ يؤدّي الدور ببراعة فائقةٍ اللبنانيُّ فارس فارس). يأخذ نور الدين القضيّةَ على عاتقه، لا لأنّه محقّق يبحث عن العدالة، ولكن لأنه مرتشٍ يبحث عمّن يدفع أكثر. لكنّه يتورّط في شوارع القاهرة، وخباياها، ويجد نفسه في لعبة ماكرة كبيرة، ويضيعُ بين غانيةٍ هي صديقة القتيلةِ، وبين شاهدةٍ سودانيّةٍ تحاول الحفاظ على الأنفاس في روحها الخائفة. الفيلمُ أيقونة بوليسيّة من صنف نوار Noir لم أرَ أرفع منه منذ زمن بعيدٍ. إفرازات جماليّةٌ من الظلالِ ومن أصفر القاهرةِ الممتقعِ، تخبّئ ما تخبّئ وتفضح أكثرَ ممّا تخبّئُ. تعكسُ ثناياها، متاهة المحقّق إذ يحاول فهم ما حصل في الهلتون، ومتاهة الجسدِ المصريّ بين أجهزة الرشوة والفسادِ. فكان زمن السّرد قبيلَ انتفاضة الشعبِ، ربطا سببيّا أراده المخرجُ ولم تحبّه الرقابةُ.

ما يعيب الفيلمَ عدمُ قربه الكبير من الواقع المصريِّ الجديد، فصاحبُ الفيلم وإن كانت أصوله مصريّةً، لم يبدِ درايةً بالواقع المصريِّ لغةً وما وراء اللغةِ، أي على مستوى الموسيقى وما شابه. ولئن كانت العينُ الأعجميةُ لا ترى ذلك، فالعين العربيُّ لا يمكنُها أن تخطئه، ولولا ذلك لكان اللي حصل في الهلتون في مرتبة متقدّمة أكثر هنا.
 7 - شنيع Grave ـ جوليا دُكوغنو Julia Ducournau
لا أعتقد أنّ العنوان يتعلّق بما يحدثُ في الفيلم بقدرِ ما يتعلّق بالإحساس الذي يداهم المتفرّج خلال هذه التجربة المفزعة. هل هو فيلمُ رعبٍ؟ ربّما، ولكنّه أعمق من ظاهره بكثير، لذلك يثير فينا إحساسا بالغثيان. فمشاهده الدموية ليست كثيرة في الواقع، وتفاصيلها ليست أكثر بشاعةً من أفلام الرعب المعويّ الشهيرةِ، لكنّها تنجح في لمسِ شيء في عمقِ المشاهدِ فيتوقّف أن يكون محايدا.

في هذا الفيلم الفرنسيِّ، نواكب تحوّلات شابّةِ في عامها الأوّل في جامعة الطبّ البيطريِّ إذ تتبع طريق أختها الكبرى. كانت جوستين نباتيّةً، قبل أن يرغمَها حفلُ استقبال الدفعة الجديدةِ، على أكل قطع لحمٍ صغيرةٍ. تكتشف بعدها شراهة عظيمة للّحوم، ثم تتوالى الاكتشافات بشاعةً بعد أخرى، وتزداد معها علاقتُها بأختها تبلورا وتعقيدا. إنّ ما يجمع الإخوةَ رابطة دمويّة قاسيةٌ، فيها ما فيها من البشاعة، أحيانا تحمينا وأحيانا تجرفنا إلى الأعماق. وكان على جوستين، أن تواجه رابطة الأخوّة وأن تكبرَ.

 6 - عن الروح والجسد Teströl és lélekröl ـ إندِكو إنيادي 
الدبُّ الذهبيُّ لهذا العام كان من المجر، ورغم كونه رومانسيّا، إلا أنّ الجليدَ سمتُه الغالبة. فمشاهدُه في أغلبِها هادئةٌ، روتينيّةٌ كأيّام العملِ، وبطلاهُ، مديرُ حساباتٍ بمسلخٍ فترتْ ذراعُه اليسرى عن الحياةِ، وفتر قلبُه الكهلُ عن الحياةِ، ثمَّ دكتورةُ هندسةِ الجودةِ بالمذبحِ نفسه، تحاول أن تلتزم بروتينٍ يقيها عجزَها المرَضيَّ عن التواصلُ الاجتماعيِّ بسببِ متلازمة أسبرغر Asperger. كيف يحدث الحبُّ في كلّ هذا؟ وكيف ينبتُ في جسدين بهذا البرودِ؟ يكتشفُ كلاهما صدفةً أنّهما يحلمان بذات الحلمِ، أعني حرفيّا، وأنّ الظبي(ـة) التي/الذي يراه(ـا) كلُّ منهما، ليس(ـت) سوى الآخر. أو لعلّه(ـا) روحه. يقرّران سويّا الكفاحَ في الواقع، من أجل أن يتعانق الروحان في الحلمِ…


 5 - حيوانات ليليّة Nocturnal Animals ـ توم فورد
كنتُ قد قدّمتُ هذا الفيلم بالتفصيل هنا في بداية هذا العام، وشرحتُ في المقال سرّ حماسيَ الكبير تجاهه. إنّه ليس فيلمًا مدّعيا أو متكلّفا كما يزعمون، بل هو فيلمٌ عن التكلّف في الفنّ والأصالة فيه. هو فيلم عن تلك العلاقة العضويّة التي تربطُ بين القول وصاحبه، وبين الكتابةِ وحبرِها. عبر ثلاثة خطوط سرديّة متقاطعةٍ، يصفُ المخرجُ توم فورد عمليّة قراءةٍ قاسيةٍ قامت بها مديرةُ معرض فنيّ معاصر فخمٍ لروايةِ جريمةٍ كتبها طليقُها وحبيبُها القديم. فيشكّلُ عبر لعبٍ من التماهي والتقابلِ، علائقَ الرواية الخياليّة بماضي الحبيبينِ، ثم يتابع بمكرٍ أثرها ـ القراءة ـ في مستقبلهما… فيلم ذكيٌّ جدا، وأنيقٌ، لم أرَ أكثر منه بلاغةً في الانتصار لفنّ الكتابة القصصيّةِ، وقيمتِها.

 4 - ضوء القمر Moonlight ـ بَارِي جِنْكِنْزْ
قالت لي المرأة العجوز "راكضًا في المكان، قابضًا على حزم من الضوء، في ضوء القمر، الأولاد السود يبدون زرقًا، أنت أزرق! هذا ما سأناديك به، أزرق!"

لم يحدث ـ لو صدّقتُ ذاكرتي ـ أن تحوّل اهتمامُ السينمائيّين بقضايا الأقليّات العرقية والجندريّة إلى الهوس الذي رأيناه في 2017. لقد شاهدتُ مالا يقلُّ عن سبعة أفلام عن العنصرية تجاه السّود في 2017، فضلا عن أفلام الاحتفاءِ بقصص الحبِّ المثليّةِ، وجميعُها أفلامٌ على مستوى عالٍ من الاتقانِ الفنيِّ والأدبيِّ، وإن كان الاحتفاء بأكثرها مبالغا فيه. غير أنّ التّنويهِ بفيلم ضوء القمرِ له ما يبرّره، وفوزه بأوسكار أفضل فيلمٍ مبرّرٌ وإن كان وراءه مساندةٌ ذاتُ طبيعةٍ غير فنيّةٍ لا تخفى على أحدٍ.

قصة ضوء القمر، هي قصة ألوان تغزو مسامّ الصورة وتحيل مأساة البطل إلى ألوان مدينة ميامي الكابوسية الجميلة، لذلك فالصورة هي العنصر الأبرز في الفيلم بلا شك، ولقد استعان باري جنكنز بمبدعين حقيقيين للتعبير ببلاغة الضوء عن مشهد ميامي وهي تحت رحمة الشمس والبحر، زرقة مفعمة وألوان مشبعة وملامح غليظة.

في ثلاثة ألوانٍ تسيّدَ كلّ منها المشهدَ تباعا، ، يتابع جنكنز حياة طفل معدم في شوارع ميامي في الثمانينات، وحكاية تحوله من ليتل Little، إلى شيرون Shiron، ثم إلى بلاك Black الرجل القوي الذي تهابه المدينة. ولئن كان في الجانب الاجتماعيِّ للقصّةِ بعضُ التكلّفِ غير المريحِ، فإنّ الجانب الوجوديَّ فيه متميّزٌ ويستدعي الانتباه. فبعيدا عن طبيعةِ المشاكلِ التي كوّنت دراما شيرون منذُ كان صبيّا، يمكنُ الاهتمامُ بأثرها فيه، وكيف ساهمت في تحوّلاته المختلفةِ، وكيف استطاع في النهاية أن لا ينساق إليها انسياقا تامّا ويتّخذ موقفًا حيال كينونته، فيقرّر ما سوف يكون.

 3 - المربّع The Square ـ روبرت أوستلُند
تأتي السّعفة الذهبيّةُ لهذا العام في المرتبة الثالثة. وهي شجرةُ دعابات ثقيلةٍ أحيانا، ومربكة في أغلب الأحيان، بطلُها الرئيسيُّ أمينُ متحف الفنِّ المعاصر بستوكهولم الذي يكافحُ حتّى يلتقيَ الفنُّ النخبويُّ بالواقعِ اليوميِّ، وحتّى ينسجمَ المثقّفُ في ذاته بالإنسانِ.

إن من الظلم اعتبار فيلم المربع مجرد ردّة فعل انفعالية تجاه الفن المعاصر (كما ادّعى كثيرون)، وليست رحلة في عالمه تحاول أن تفهمه وتشاكسه، ربّما بأسلحته. فالفيلم نفسه أقرب إلى قطعة فنّ معاصرة لا تخلو من عمل تجريبي ولمسات تشكيلية تجريديّة (إبراز شكل المربع في مشاهد مختلفة وعبر عناصر متنوعة من المشهد، التذكير ببعض العناصر في مواضع مختلفة كالتذكير بالغوريلا من خلال قردة الصحفية) ولا شك أنه غزير بأفكار أخرى لا يتسع المقام لبحثها، لكنها ساهمت في تتويجه عن جدارة بسعفة كان الذهبية لهذا العام، ولا شك أنه أحد أجود أعمال هذه السنة.
لقراءة تفصيليّة يرجى الانتقالُ إلى هذا الرّابط.

 2 - بلايد رنّر 2049 Blade Runner ـ دُنِي فِلْنُوفْ
منذ تشرين الماضي وأنا أنتظرُ عملاً يملؤني حماسًا أكثر من هذا الفيلمِ فلم أعثر. ولا شكّ عندي إنّه فيلمي المفضّلُ لهذا الموسم السينمائيّ بانتظار مفاجآت الشهر القادم. ولأنّ جوائز الأوسكار كانت دوما ظلوما تجاه أفلام الخيال العلميِّ، فإنّي غالبا ما أتحمّس لإيفاء تحفٍ كهذه حقّها.

كما تعرفون من فيلمٍ كانت تكملتُه (جزءه الثاني خصوصا) في مستوى التوقّعات؟ أعمال تُعدّ على الأصابعِ. فماذا لو كانت أعلى من مستوى التوقّعات؟ في موسمٍ مليء بالاستعادات والسّوابق واللواحق، بدا عملُ دني، استثناءً عظيما، وأنموذجًا يُتّبع لفيلمٍ نخبويٍّ Arthouse movie وذي ميزانيّةٍ ضخمةٍ Blockbuster في آنِ. ولئن كان شبّاكُ التذاكر متعسّفا معه، فقد تأتي الأعوام القادمة ببعض الإنصاف له، كما أنصفت جزءه الأوّل أعواما عديدةً بعدما عرضَ.

لقد أنجز بلايد رنر 2049 وفق حقيقتين: أنه تكملة لفيلم كلاسيكي، وأنه فيلم قائم بذاته، ولقد عمل فيلنوف على الرقص بينهما رقصًا عبقريًا تجلى في كل العناصر، فهو محافظ ومجدد في آن، فأبقى بذلك على روح الفيلم القديم، وعمل على تجاوزه على مختلف المستويات.
ولقراءة أكثر تفصيلا لهذا العمل، يمكن الانتقال إلى هذا الرّابط.


 1 - لا لا لاند La La Land ـ داميان شازال
حسن، إني على يقين أنّ أغلبكم لن يوافق على هذه المرتبة، وهو أمر أقبله، فالغنائيّات شيء خاصٌّ في عالم السينما، وله جمهوره. لكن أن يُعتبرَ الفيلمُ سيئا أو بسيطا، فهذا قِصرُ نظرٍ أدعو إلى مراجعته.

تقدم هذه الغنائية مدينةََ لوس أنجلِس بين ما تعد به الحالمين وما تبتليهم به، ولقد عبر شازال عن ذلك من خلال الإشارة للكلاسيكيات الغنائية الهوليودية في عصرها الذهبي (الخمسينيات) في إطارات غنائية حاولت أن تكون واقعية بقدر كبير، يشهد بذلك الحوار والسيناريو الذي خاطب نفسه في نهاية الفيلم معلنًا أنه يمثل نقيض الصورة الوهمية التي تخدعنا بها أفلام مثل "أمريكي في باريس" و"مطريات شغبوغ" و"الغناء تحت المطر".

كلُّ شيء في لالالاند موقّعٌ، دقيقٌ، كلُّ شيء يبدو تحت سيطرةِ يدٍ صارمة لا تعبثُ. ورغم هشاشة التعبيرات في وجهِ ريان غوسلنغ، وبساطة كاريزما الحضورِ لدى إيما ستون، فإنّ دقّة المشهدِ وصخبَ الموسيقى يحجبان كلَّ ذلك، ويتركان في نفس المشاهدِ، صدًى راقصا لم ينقطع بعدَ سنةٍ من مشاهدته، ووعدًا بالنّجاحِ ولو بعدَ عناءٍ.
قراءتي للفيلم تجدونها هنا.


أخيرا، أحبّ أن أذكّر ببعض الأعمال التي تستحقّ التجربة وربّما تستحقّ مكانا في القائمة السابقة، خصوصا وأنّها لم تلق حظّها من التنويه. فهناك الفيلم الإيرانيُّ "لِرد" (بمعنى اللورد أو السيد) الذي يصف لنا بعبقريّة كيف يبتلعُ النظامُ الفاسدُ أعداءه. وهناك فيلم السرقة الأبرز لهذا العام لوغان لاكي Logan Lucky، ولا ننسى الفيلمَ السوريّ البلجيكيّ Insyriated والتونسيّ على كفّ عفريت.
 
لقد قدّمت لنا الشاشة الذهبية أشياء جميلة هذا العام رغم كلّ شيء، ولكنّنا نرجو أن يجيء العامُ القادمُ بأيقونات سينمائيّة خالدةٍ تجعلنا نذكره طويلا. كلّ عام وأنتم بخير!

No comments:

Translate